كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال في سورة أُخرى: {لَوْ خَرَجُوا فيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إلاَّ خَبَالًا} ولو كانت: مَا زادكم إلا خبَالًا كان صَوَابًا، يريد: ما زادكم خروجهم إلاَّ خَبَالًا. وهذا من سعة العربيَّة التي تَسْمَع بها.
{مّنَ الْمُؤْمنينَ رجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه فَمنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمنْهُمْ مَّن يَنتَظرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْديلًا}.
وقوله: {مّنَ الْمُؤْمنينَ رجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه}.
رفع الرجال بمنْ {فَمنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ} أجله. وهذا في حمزة وأَصْحَابه.
{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذينَ كَفَرُوا بغَيْظهمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمنينَ الْقتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَويًّا عَزيزًا}.
وقوله: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذينَ كَفَرُوا بغَيْظهمْ}.
وقد كانوا طمعُوا أَنْ يَصْطلمُوا المسلمين لكثرتهم، فسَلَّط الله عليهم ريحًا باردةً، فمنعت أحدهم من أن يُلجم دابَّته. وجَالت الخيل في العسكر، وتقطعتْ أطْنابهم فهزمهم الله بغير قتال، وضربتهم الملائكة.
فذلك قوله: {إذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عليهمْ ريحًا وجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} يعنى الملائكة.
{وَأَنزَلَ الَّذينَ ظَاهَرُوهُم مّنْ أَهْل الْكتَاب من صَيَاصيهمْ وَقَذَفَ في قُلُوبهمُ الرُّعْبَ فَريقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسرُونَ فَريقًا}.
وقوله: {وَأَنزَلَ الَّذينَ ظَاهَرُوهُم مّنْ أَهْل الْكتَاب}.
هؤلاء بنو قُرَيظة. كانوا يهودًا، وكانوا قد آزروا أهل مَكّة عَلَى النبىّ عليه السلام. وهى في قراءة عبدالله: {آزروهم} مكان {ظاهروهم} {من صَيَاصيهمْ} من حُصُونهم. وواحدتها صيصية وهى طَرَف القَرْن والجَبَل. وصيصية غير مهموز.
وقوله: {فَريقًا تَقْتُلُونَ} يعنى قَتْل رجالهم واستبقاءَ ذرارّيهم.
وقوله: {وَتَأْسرُونَ فَريقًا} كلّ القُرّاء قد اجتمعُوا على كسر السين. وتأسُرُون لغة ولم يقرأ بها أحد.
{وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَديَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَديرًا}.
وقوله: {وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا}.
عَنَى خَيْبَر، ولم يكونوا نالوها، فوعدهم إيّاها الله.
{يانسَاءَ النَّبيّ مَن يَأْت منكُنَّ بفَاحشَةٍ مُّبَيّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضعْفَيْن وَكَانَ ذَلكَ عَلَى اللَّه يَسيرًا}.
وقوله: {مَن يَأْت منكُنَّ}.
اجتمعت القراء على قراءة: {مَن يَأْت} بالياء واختلفوا في قوله: {وَيَعْمَلْ صَالحًا} فقرأها عاصم والحسَن وأهلُ المدينة بالتاء: وقرأها الأعمش وأبو عبدالرحمن السُلَمىّ بالياء. فالذين قرءوا بالياء أتْبعوا الفعْل الآخر ب {يَأْت} إذْ كان مذكّرا. والذينَ أنّثوا قالوا لمَّا جاء الفعل بعدهُنَّ عُلم أنه للأنثى، فأخرجنَاهُ على التأويل. والعرب تقول: كم بيع لك جاريةً، فإذا قالوا: كم جاريةً بيعت لك أنّثوا، والفعل في الوجهين جميعًا لكُمْ، إلاّ أن الفعل لمّا أتى بعد الجارية ذُهب به إلى التأنيث، ولو ذكّر كان صوابًا، لأنَّ الجارية مفسّرةٌ ليسَ الفعْلُ لها، وأنشدنى بعض العرب:
أيام أم عمرٍو من يكن عقرَ داره ** جواءٌ عدىٍّ ياكل الحشرات

ويسود من لفح السّموم جَبينه ** ويَعْرَ وإن كانوا ذوى بكرات

وجواءَ عَدىٍّ.
قال الفراء: سمعتها أيضًا نصبًا ولو قال: وإن كان كانَ صَوَابًا وكل حَسَنٌ.
{وَمَن يَقْنُتْ منكُنَّ للَّه وَرَسُوله وَتَعْمَلْ صَالحًا نُؤْتهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْن وَأَعْتَدْنَا لَهَا رزْقًا كَريمًا}.
وقوله: {وَمَن يَقْنُتْ}.
بالياء لم يختلف القراء فيها.
وقوله: {نُؤْتهَآ} قرَأَها أهل الحجاز بالنون. وقرأها يحيى بن وثّاب والأعمش وأبو عبدالرحمن السُلمىّ بالياء.
{يانسَاءَ النَّبيّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النّسَاء إن اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بالْقَوْل فَيَطْمَعَ الَّذي في قَلْبه مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا}.
وقوله: {فَلاَ تَخْضَعْنَ بالْقَوْل}.
يقول: لا تُلَيّن القول {فَيَطْمَعَ الَّذي في قَلْبه مَرَضٌ} أي الفجور {وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} صَحيحًا لا يُطمع فاجرًا.
{وَقَرْنَ في بُيُوتكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهليَّة الأُولَى وَأَقمْنَ الصَّلاَةَ وَآتينَ الزَّكَاةَ وَأَطعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إنَّمَا يُريدُ اللَّهُ ليُذْهبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْت وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهيرًا}.
قوله: {وَقَرْنَ في بُيُوتكُنَّ} من الوقار. تقول للرَّجل: قد وَقَرَ في منزله يقر وُقورًا. وقرأ عاصم وأهل المدينة {وَقرْنَ} بالفتح. ولا يكون ذلك من الوقار، ولكنا نُرى أنهم أرادوا: وَاقْرَرْن في بيوتكنّ فحذفوا الرَّاء الأولى، فحوّلت فتحها في القاف؛ كما قالوا: هل أحَسْتَ صاحبك، وكمَا قال: {فَظَلْتُمْ} يريد: فظللْتم.
ومنَ العَرب من يقول: واقررْن في بيوتكُنّ، فلو قال قائل: وقرنَ بكسر القاف يريد واقررن بكسر الراء فيحوّل كسرة الراء إذا سقطت إلى القاف كان وجهًا. ولم نجد ذلك في الوجهيْن جَميعًا مستعملًا في كلام العرب إلاّ في فعلت وفعلتم وفعلنَ فأمّا في الأمر والنهى المستقبل فلا. إلا أَنا جوَّزنا ذلكَ لأنَّ اللام في النسوة ساكنة في فعلن ويفعلنَ فجازَ ذلك. وقد قال أعرابىّ من بنى نُمَير: يَنْحَطْنَ من الجَبَل يريد: ينحططن. فهذا يقوّى ذلك.
وقوله: {وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهليَّة الأُولَى} قال: ذلك في زمنٍ ولد فيه إبراهيم النبىّ عليه السلام. كانت المرأة إذ ذاك تلبس الدّرعَ من اللؤلؤ غير مخيط الجانبين. ويقال: كانت تلبس الثياب تبلغ المال لا توارى جَسَدَها، فأُمرن ألاّ يفعلن مثل ذلك.
{إنَّ الْمُسْلمينَ وَالْمُسْلمَات وَالْمُؤْمنينَ وَالْمُؤْمنَات وَالْقَانتينَ وَالْقَانتَات وَالصَّادقينَ وَالصَّادقَات وَالصَّابرينَ وَالصَّابرَات وَالْخَاشعينَ وَالْخَاشعَات وَالْمُتَصَدّقينَ وَالْمُتَصَدّقَات والصَّائمينَ والصَّائمَات وَالْحَافظينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافظَات وَالذَّاكرينَ اللَّهَ كَثيرًا وَالذَّاكرَات أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفرَةً وَأَجْرًا عَظيمًا}.
وقوله: {إنَّ الْمُسْلمينَ وَالْمُسْلمَات}.
ويقول القائل: كيف ذكر المسلمين والمسلمات والمعنى بأحدهما كافٍ؟
وذلك أنَّ امرأة قالت: يا رسول الله: ما الخير إلاّ للرجال. هم الذين يؤمرون ويُنهون. وذكرتْ غير ذلك من الحجّ والجهاد فذكرهن الله لذلك.
{وَمَا كَانَ لمُؤْمنٍ وَلاَ مُؤْمنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخيَرَةُ منْ أَمْرهمْ وَمَن يَعْص اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلًا مُّبينًا}.
وقوله: {وَمَا كَانَ لمُؤْمنٍ وَلاَ مُؤْمنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخيَرَةُ منْ أَمْرهمْ}.
نزلت في زينب بنت جَحْش الأسَدية. أراد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يزوّجها زيد بن حارثة، فذكر لها ذلك، فقالت: لا لعمر الله، أنا بنت عمّتك وأَيّم نساء قريش. فتلاَ عليها هذه الآية، فَرضيت وسَلَّمتْ، وتزوَّجها زيد. ثم إن النبى عليه السلام أتى منزل زيدٍ لحاجةٍ، فرأى زينب وهى في درْعٍ وخمارٍ، فقال: سُبحانَ مقلّب القلوب. فلمَّا أتى زَيْدٌ أَهْله أخبرته زينب الخبر، فأتى النبىّ صلى الله عليه وسلم يشكوها إليه. فقال: يا رسول الله إنَّ في زينب كبْرًا، وإنها تؤذينى بلسانها فلا حاجة لى فيها. فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: اتّق الله وأَمسك عَليك زوجك. فأبى، فطلَّقها، وتزوّجها النبى عليه السلام بعد ذلك، وكان الوجْهَان جميعًا: تزوجَها زيد والنبى عليه السلام من بَعْد، لأن الناس كانوا يقولُون: زيد بن محمدٍ؛ وإنما كان يتيما في حجره. فأراهم اللهُ أنه ليس لَهُ بأبٍ، لأنه قد كان حَرَّم أن ينكح الرجلُ امرأة أبيه، أو أن ينكح الرجلُ امرأة ابنه إذا دخل بها.
{وَإذْ تَقُولُ للَّذي أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيْه وَأَنْعَمْتَ عَلَيْه أَمْسكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّق اللَّهَ وَتُخْفي في نَفْسكَ مَا اللَّهُ مُبْديه وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمنينَ حَرَجٌ في أَزْوَاج أَدْعيَآئهمْ إذَا قَضَوْا منْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّه مَفْعُولًا}.
وقوله: {وَتُخْفي في نَفْسكَ}.
منْ تزويجها {مَا اللَّهُ} مظهره. {وَتَخْشَى النَّاسَ} يقول: تستحى من الناس {وَاللَّهُ أَحَقُّ} أن تستحى منه.
ثم قال: {لكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمنينَ حَرَجٌ في أَزْوَاج أَدْعيَآئهمْ}.
{مَّا كَانَ عَلَى النَّبيّ منْ حَرَجٍ فيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّه في الَّذينَ خَلَوْا من قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّه قَدَرًا مَّقْدُورًا}.
وقوله: {مَّا كَانَ عَلَى النَّبيّ منْ حَرَجٍ فيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ}.
من هذا ومن تسع النسوة، ولم تحلّ لغيره وقوله: {سُنَّةَ اللَّه} يقول: هذه سُنّة قد مضت أيضًا لغيرك. كان لداوود ولسليمانَ منَ النساء ما قد ذكرناه، فُضّلا به، كذلكَ أنت.
{الَّذينَ يُبَلّغُونَ رسَالاَت اللَّه وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إلاَّ اللَّهَ وَكَفَى باللَّه حَسيبًا}.
ثم قال: {الَّذينَ يُبَلّغُونَ رسَالاَت اللَّه}.
فضلناهم بذلكَ، يعنى الأنبياء. و{الذين} في موضع خفضٍ إن رددته عَلَى قوله: {سُنَّةَ الله في الذينَ خَلوْا منْ قَبْلُ} وإن شئت رفعت عَلَى الاستئناف. ونَصْبُ السُنَّة على القطع، كقولك: فعل ذلكَ سنُة. ومثله كثير في القرآن. وفى قراءة عبدالله: {الَّذينَ بَلَّغُوا رسَالاَت اللَّه وَيَخْشَوْنَهُ} هذا مثل قوله: {إنَّ الذينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ} يُرَدّ يفعل على فعَل، وفعَل عَلَى يفعل. وكلّ صواب.
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مّن رّجَالكُمْ وَلَاكن رَّسُولَ اللَّه وَخَاتَمَ النَّبيّينَ وَكَانَ اللَّهُ بكُلّ شَيْءٍ عَليمًا}.
وقوله: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مّن رّجَالكُمْ}.
دليل عَلَى أمر تزوُّج زينب {وَلَاكن رَّسُولَ اللَّه} مَعْنَاهُ: ولكن كانَ رسول الله. ولو رفعت على: ولكن هو رسولُ الله كان صَوَابًا وقد قرئ به. والوجه النصب.
وقوله: {وَخَاتَمَ النَّبيّينَ} كسرها الأعمش وأهل الحجاز، ونصبها- يعنى التاء- عاصم والحسن وهى في قراءة عبدالله: {ولكن نبيًّا خَتَم النبيّين} فهذه حجَّةٌ لمنْ قال: {خاتم} بالكسر، ومن قال: {خاتَمَ} أرد هو آخر النبيّينَ، كما قرأ عَلقمة فيما ذُكرَ عنه {خاتَمُهُ مسْكٌ} أي آخره مسك. حدثنا أبو العباس، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا الفراء، قال: حدثنا أبو الأحوص سَلاَّم ابن سُليم عن الأشعَث بن ابى الشعْثاء المحاربىّ قال: كانَ عَلقمة يقرأ: {خاتَمُهُ مسْكٌ} ويقول: أمَا سمعتَ المرأة تقول للعطّار: اجْعل لى خاتمهُ مسْكًا أي آخره.
{هُوَ الَّذي يُصَلّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئكَتُهُ ليُخْرجَكُمْ مّنَ الظُّلُمَات إلَى النُّور وَكَانَ بالْمُؤْمنينَ رَحيمًا}.
وقوله: {هُوَ الَّذي يُصَلّي عَلَيْكُمْ}.
يغفر لكم، ويَستغفر لكم ملائكته.
{يا أَيُّهَا النَّبيُّ إنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمينُكَ ممَّآ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَات عَمّكَ وَبَنَات عَمَّاتكَ وَبَنَات خَالكَ وَبَنَات خَالاَتكَ اللاَّتي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمنَةً إن وَهَبَتْ نَفْسَهَا للنَّبيّ إنْ أَرَادَ النَّبيُّ أَن يَسْتَنكحَهَا خَالصَةً لَّكَ من دُون الْمُؤْمنينَ قَدْ عَلمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهمْ في أَزْوَاجهمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحيمًا}.
وقوله: {وَبَنَات خَالكَ وَبَنَات خَالاَتكَ اللاَّتي هَاجَرْنَ مَعَكَ}.
وفى قراءة عبدالله: {وَبَنَات خَالكَ وَبَنَات خَالاَتكَ واللاَّتي هَاجَرْنَ مَعَكَ} فقد تكون المهاجرات من بنات الخال الخالة، وإن كان فيه الواو، فقال: {واللاتى}. والعرب تنعَت بالواو وبغير الواو كما قال الشاعر:
فإنَّ رُشيدًا وابنَ مَرْوان لم يكن ** ليفعل حتّى يُصدر الأمرَ مُصْدَرَا

وأنت تقول في الكلام: إن زرتنى زرتُ أخاك وابن عمّكَ القريب لك، وإن قلتَ: والقريب لكَ كان صوابَا.
وقوله: {وَامْرَأَةً مُّؤْمنَةً} نصبتها ب {أحْلَلْنا} وفى قراءة عبدالله: {وَامْرَأَةً مُّؤْمنَةً وَهَبَتْ} ليسَ فيها أن ومعناهُمَا واحد؛ كقولك في الكلام: لا بأسَ أن تستَرقَّ عبدًا وُهبَ لكَ، وعبدًا إن وُهب لك، سواء. وقرأ بعضهم {أَنْ وَهَبَتْ} بالفتح عَلَى قوله: {لا جناح عليه أن ينكحها} في أن وهبت، لا جناح عَليه في هبتها نفسها. ومن كسر جعله جزاء. وهو مثل قوله: {لاَ يَجْرمَنَّكُمْ شَنآنُ قَوْمٍ أنْ صَدُّوكُمْ} و{إنْ صَدُّوكُمْ} {إنْ أَرَادَ النَّبىُّ} مكسورة لم يُختَلف فيهَا.
وقوله: {خَالصَةً لَّكَ} يقول: هذه الخصلة خالصة لك ورُخصة دون المؤمنين، فليسَ للمؤمنين أن يتزوَّجُوا امرأة بغير مهر. ولو رفعتْ {خالصة} لك عَلَى الاستئناف كَان صَوَابًا؛ كما قال: {لَمْ يَلْبَثُوا إلاَّ سَاعَةً منْ نَهَارٍ بَلاَغٌ} أي هذا بلاغ: وما كان من سُنّة الله، وصبغة الله وشبهه فإنه منصوب لاتصاله بمَا قبله على مذهب حقًّا وشبهه. والرفع جَائز؛ لأنه كالجواب؛ ألا ترى أن الرجل يقول: قد قام عبدالله، فتقول: حقّا إذا وصلته. وإذا نويت الاستئناف رفعته وقطعته ممّا قبله. وهذه محض القطع الذي تسمعه من النحويينَ.
{تُرْجي مَن تَشَاءُ منْهُنَّ وَتُؤْوي إلَيْكَ مَن تَشَاءُ وَمَن ابْتَغَيْتَ ممَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا في قلُوبكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَليمًا حَليمًا}.
وقوله: {تُرْجي مَن تَشَاءُ منْهُنَّ}.
بهمز وغير همز. وكلّ صواب {وَتُؤْوي إلَيْكَ مَن تَشَاءُ} هذا أيضًا ممَّا خُصّ به النبىّ صَلى الله عَليه وسلم: أن يجعل لمن أحبّ منهنّ يومًا أو أكثر أو أقلّ، ويعطّل مَنْ شاء منهنّ فلا يأتيَه. وقد كان قبل ذلكَ لكلّ امرأة من نسَائه يوم وليلة.
وقوله: {ذَلكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ} يقول: إذا لم تجعل لواحدة منهنَّ يومًا وكنّ في ذلكَ سواء، كان أحرى أَن تطيب أنفسهنَّ ولا يحزَنَّ. ويقال إذا علمن أن الله قد أباح لك ذلكَ رضين إذْ كان من عند الله. ويقال: إنه أدنى أن تقرّ أعينهنَّ إذا لم يحلّ لك غيرهنَّ من النساء وكلّ حَسَن.
وقوله: {وَيَرْضَيْنَ بمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} رَفْع لا غير، لأن المْعنَى: وترضى كلّ واحدة. ولا يجوز أن تجعل {كلّهن} نعتًا للهاء في الإيتاء؛ لأنه لا مَعنى له؛ ألا ترى أنك تقول: لأكرمنّ القوم ما أكَرمونى أجمعينَ، وليسَ لقولك {أجمعونَ} معنىً. ولو كان له مَعنى لجازَ نصبه.
{لاَّ يَحلُّ لَكَ النّسَاءُ من بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بهنَّ منْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ رَّقيبًا يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبيّ إلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظرينَ إنَاهُ وَلَكنْ إذَا دُعيتُمْ فَادْخُلُوا فَإذَا طَعمْتُمْ فَانْتَشرُوا وَلاَ مُسْتَأْنسينَ لحَديثٍ إنَّ ذَلكُمْ كَانَ يُؤْذي النَّبيَّ فَيَسْتَحْيي منكُمْ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيي منَ الْحَقّ وَإذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ من وَرَاء حجَابٍ ذالكُمْ أَطْهَرُ لقُلُوبكُمْ وَقُلُوبهنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُوا رَسُولَ اللَّه وَلاَ أَن تَنكحُوا أَزْوَاجَهُ من بَعْده أَبَدًا إنَّ ذالكُمْ كَانَ عندَ اللَّه عَظيمًا}.
قوله: {وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بهنَّ منْ أَزْوَاجٍ}.
أنْ في موضع رفع؛ كقولك: لا يحلّ لَكَ النّسَاءُ والاستبدال بهنَّ. وقد اجتمعت القراء على {لاَّ يَحلُّ} باليَاء. وذلكَ أنَّ المْعنَى: لا يحلّ لك شيء من النساء، فلذلك اختير تذكير الفعل. ولو كان المعنى للنساء جَميعًا لكان التّأنيث أجود في العربيّة. والتاء جَائزة لظهور النساء بغير منْ.